اتجاهاتصحف عالميةمقالات

“السعودية أوّلاً” سياسة مختلفة عن “السعودية منفردة”

 

 

لا توجد سياسة سعودية رسمية ترفع شعار “السعودية أوّلاً”، لكن الكثير من المؤشرات تقول إن هذه السياسة موجودة بالفعل.

 

ومن قبل أن يتحدث وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن طريقة تقديم المنح والمساعدات للدول الأخرى، كانت القيادة السعودية قد أفصحت عن ملامح سياستها مبكراً، وربما أبكر مما يعتقد البعض حين يربط الأمر بتطورات الحرب في أوكرانيا، وإن كانت الحرب قد عززت التوجه السعودي.

 

لا نعرف على وجه الدقة متى أجرى مراسل مجلة “أتلانتيك الأمريكية” مقابلته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لكن نص المقابلة نشر في مطلع مارس 2022، أي بعد مرور أيام قليلة على نشوب الحرب في أوكرانيا.

 

في تلك المقابلة أشار الأمير محمد على الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يهتم بالمصالح الأمريكية؛ بمعنى آخر نحن نهتم بمصالحنا أولاً قبل أن نهتم بمصالحكم.

 

إذا كانت ” أمريكا أولاً” في قلبكم، فلماذا لا تكون “السعودية أولاً في قلبنا”.

 

كانت مرحلة استثنائية من العنجهية الأمريكية ترتبط بالتوتر المرتبط بالتنسيق السعودي – الروسي في أوبك+، ومراهنة إدارة بايدن على قدرتها على الاستمرار في ابتزاز الرياض بقضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي، كلنا يعرف ما حدث بعد ذلك واضطرار الرئيس الأمريكي إلى زيارة السعودية والعودة خالي الوفاض.

 

ثم جاءت سلسلة من التصريحات من وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال أكثر من مناسبة ومقابلة.

 

اقرأ أيضاً:

 

الوزير السعودي هو واجهة قرارات أوبك+ التي لا ترضى عنها واشنطن تحديداً، والتي تسكت عنها بقية الدول الغربية مُهمهمةً، قال الأمير عبدالعزيز “أنا مؤيد للسعودية”، مرة أخرى هذا تعبير لبق يغني عن القول “السعودية أوّلاً”

 

للدقة، فإن أيّ حكومة في العالم تتصرف بمنطق “بلادنا أوّلا”. أيّ حكومة لا تقُوم بهذا تكونْ حكومة عميلة لتوجه أيديولوجي أو دولة أخرى.

 

لكن “بلدنا أولاً” بالمطلق منطق فيه الكثير من المحاذير، هل تستطيع الدولة التي ترفع مثل هذا الشعار أن تطبقه فعلاً، هل لديها المال والقدرة الذاتية، بعض التجارب الإقليمية والعالمية تشير إلى هذه المحاذير حين يصبح الشعار سياسة رسمية.

 

خذ مثلاً شعار “الأردن أولاً”  الذي أطلق عام 2014، أو قرار “بريكست” أي “بريطانيا أولاً” بمسمى آخر.

 

وزير الطاقة السعودي يدعو إلى الثقة بمجموعة أوبك+

 

السعودية تمتلك الكثير من المعطيات التي تجعل من تطبيق سياسة “السعودية أولاً” ممكناً.

 

الرصيد المالي المتراكم للدولة يؤهلها لأن تقرر وتنفذ، وإذا كانت السعودية دولة ثرية خلال نصف القرن الماضي، فإن المتغيرات الدولية الحالية، بما فيها حرب أوكرانيا، تجعلها أكثر ثراء.

 

ومع الثراء هناك الإرادة السياسية الواضحة للقيادة السعودية الشابة، دون أن نهمل التنسيق الواضح بين قرار الملك/ولي العهد وآلية التنفيذ التي يتبناها وزير الطاقة السعودي، ثمة تناغم ملموس.

 

لا يمر يوم من دون الإعلان عن خطوات اقتصادية سعودية ذات تأثير على المستوى العالمي، هناك الكثير من الاستثمارات الداخلية وإعادة توجيه أجزاء من الثروة نحو مشاريع كبرى.

 

اقرأ أيضاً:

 

وهناك استثمارات وإعادة توجيه للمال السعودي والثروات السيادية في استثمارات عالمية مهمة، وهناك بالطبع، بشكل منفصل وأساسي، التوسع في خطط الطاقة سواء على مستوى الإنتاج أو على  مستوى الاستثمار في صناعة الغاز وفي الطاقة البديلة.

 

هذه النظرة للسياسات السعودية الواضحة والملموسة تُخرجها من محدودية قراءة تصريح الجدعان، أو أن يُحصر الأمر في الدعم الذي اعتادت الرياض على تقديمه لمصر والأردن، أو في إهمالها لسنوات دعم حلفائها التقليديين في لبنان.

 

التراجع في الدعم، أو انقطاعه، مرتبط في الكثير من أوجهه بطبيعة الصراع المستمر بين السعودية وإيران.

 

لا مصر ولا الأردن كانا حاسمين في موقفهما الداعم للسعودية في حرب اليمن، والإيرانيون طرف فيها، أما لبنان فالقصة أكثر من معروفة، لم يتحرك الحلفاء اللبنانيون بما يكفي -على الأقل من وجهة نظر الرياض- لمواجهة سيطرة حزب الله المطلقة على الوضع في لبنان.

 

ولئن كان العقاب السعودي قد بدا موجهاً لرئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري فإنه مع استثناءات قليلة، طال الجميع، سنة ومسيحيين، وشيعة رافضين للهيمنة الإيرانية على بلادهم.

 

لم يثر الغياب الكويتي عن قمة أبوظبي التشاورية الكثير من الاهتمام، الكويت في أزمة مركبة. سياسية من خلال التجاذبات التي لا تنتهي بين الحكومة والبرلمان. ومالية بسبب العجز المستمر في الميزانية حتى مع تصاعد إيرادات النفط، ويمكن إضافة أن المزاج الشعبي الكويتي هذه الأيام ضد المصريين المقيمين في الكويت.

 

ما أثار الاهتمام هو غياب السعودية عن القمة، الإشارة الأولية، التي ترددت أصداؤها كثيراً. هي تفسير مشتق من شعار “السعودية أولاً” وما قاله الجدعان في جنيف لا شك أن هذا التفسير وارد وحقيقي. لكن من الضروري أيضاً الأخذ في الاعتبار طريقة إدارة السعودية لملفاتها السياسية الإقليمية مؤخراً.

 

ثمة نزعة سعودية لتبني سياسات إقليمية خارج إطار التوافقات والتحالفات التي أطرت مواقفها خلال السنوات الماضية.

 

اقرأ أيضاً:

 

لا شك أن هناك الكثير من الدروس التي تستخلص من الصراعات الإقليمية التي كانت السعودية طرفاً فيها. التوافق الضمني مع قطر في سوريا لم يؤد إلى نتيجة.

 

النظام السوري قائم والنفوذ الإيراني حاضر، بل إن المال السعودي والقطري صنع جيب إدلب الذي تتحكم فيه تركيا إلى اليوم.

 

حرب اليمن تراوح مكانها، والأطراف اليمنية لديها أولوياتها ومن الصعب القول إن هناك مشروعاً في إطار “الشرعية” يمكن التعويل عليه. ثم هناك تجربة “العناد” القطرية، وسياسة العمل بعيداً عن توافقات مجلس التعاون سياسياً وأمنياً.

 

ستقول الدوحة دائما إنها دخلت الأزمة مع الإقليم وخرجت كما هي وإن قراراتها “الانفرادية” فرضت استقلالية قطر على الآخرين الذين قبلوا بعودتها (ضع جانباً أسباباً واقعية وفاعلة: الدعم التركي السياسي والاستخباري، أو قوة المال، من جهة. أو واقع تآكل قدرات الإخوان المسلمين بفعل المواجهة مع السعودية والإمارات. وخطورة المبالغة في التقارب مع إيران من جهة أخرى).

 

لا يمكن القول إن هناك سياسة “السعودية منفردة”، أي قرارات وتحركات إقليمية للرياض خارج التوافقات والتحالفات الإقليمية الحالية للرياض.

 

ثمة ملامح لمثل هذا التوجه في النظرة إلى تحالفات عبر البحر الأحمر في السودان وتشاد. وفي الشمال في العلاقة الاقتصادية والعسكرية مع قبرص واليونان، وفي التعامل مع الملف العراقي. بل وحتى إدارة ملف العلاقة مع إيران. التعامل السعودي مع ملف اليمن ينتمي إلى منطقة رمادية، بين التوافقات والانفراد.

 

لا يوجد ما يمنع من أن تكون للسعودية طريقتها في النظر إلى الملفات الإقليمية بشكل لا يتوافق تماماً مع نظرة الآخرين.

 

لكن، إذا كانت تجارب العالم قد أكدت مراراً وتكراراً على أن التوافقات والتحالفات، بكل تحدياتها ومشاكلها. هي سياسات أسلم وأكثر ضماناً، فإن المضي في تبني سياسات مختلفة أو متفردة ليس بالضرورة أن يقود إلى نتائج أفضل. ثمة فرق بين “السعودية أوّلاً و”السعودية منفردة”.

 

 

 

د. هيثم الزبيدي – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى