اتجاهاتصحف عالميةمقالات

كيف للعلاقات السّعودية – الإيرانية أن تتطور وتكون مستدامة؟

 

 

البيان الثلاثي حول استئناف العلاقات السعودية – الإيرانية، برعاية صينية، الذي صدر في 10 آذار (مارس) الجاري، تضمن نقاطاً عدة، لعل أهمها التأكيد على “احترام سيادة الدول” و”عدم التدخل في شؤونها الداخلية”، و”تفعيل اتفاقية التعاون الأمني”،  وهي الاتفاقية التي وقعتها السعودية وإيران، العام 2001، عندما زار وزير الداخلية السعودية – حينها – الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود، العاصمة الإيرانية طهران.

 

 

حيث وقع اتفاقية تضمنت مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال. وهي الاتفاقية التي اشتهرت باسم “اتفاق نايف – روحاني”.

 

الأمير نايف بن عبد العزيز، صرح للصحافيين بعد التوقيع قائلاً إن “الاتفاقية الأمنية ستخدم المنطقة وتعزز العلاقة بين المملكة وإيران”. مضيفاً أن “المملكة وإيران لديهما القناعة الكاملة بأن اتفاقية أمنية مثل هذه لا بد أن تتم بين البلدين، لنعمل من أجل تحقيق الأمن المشترك، ولكي نشعر جميعاً أن أمن إيران هو أمن المملكة، وأن أمن المملكة هو أمن إيران”.

 

هذه الاتفاقية مهمة في نصها، وهي تشكل أرضية مرجعية لتفاهمات وحوار عملي بين طهران والرياض، وهي التفاهمات التي إذا تمت وسط إرادة حقيقة وجادة، من شأنها أن تبني شيئاً فشيئاً الثقة المتبادلة. والتي شابتها الكثير من الاضطرابات خلال السنوات الفائتة، وأتى الإعلان في البيان الجديد في العاصمة بكين، ليعيد العلاقات إلى جادة جديدة، أساسها الصراحة والاحترام، وانتهاج الحوار سبيلاً وحيداً لحل المشكلات بين البلدين الجارين.

 

إذا تم التعاون في موضوع “الإرهاب” و”الأمن” فستجد الرياض وطهران أن العمل المشترك بينهما أمر ممكن، وأن الملفات العالقة الأخرى بالإمكان مناقشتها، وهو ما يحتاج لجهد دبلوماسي حثيث يضع استقرار الشرق الأوسط في مقدمة أولوياته، خصوصاً أن هناك تباينات بين الدولتين في تعريفهما لـ”الإرهاب” وموقفهما من الميليشيات الموجودة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

اقرأ أيضاً:

 

إن السعودية ليست في عداء وجودي مع إيران، والجغرافيا السياسية، والجوار، يحكمان العلاقة بين البلدين. لذا، فإن الحوار هو أنجع السبل لحل المشكلات العالقة، شريطة أن لا تكون هناك أعمال عدائية، تستهدف الأمن الداخلي، أو دعم جماعات خارجة عن سلطة القانون، أو تشكيل الخلايا المسلحة أو تلك التي تتجسس وتجمع المعلومات بهدف ضرب السلم الأهلي والاستقرار الداخلي.

 

وهي مشكلات حقيقية، عانتها السعودية لسنوات، نتيجة سياسات انتهجها تحديداً “الحرس الثوري” الإيراني. وتريد الرياض من طهران أن تكف يد “الحرس” وتمنعه من أن يتجاوز الأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية الموقعة، وهو أمر بإمكان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي القيام به، إذا أصدر أمراً بذلك، لأنه الوحيد في القيادة الإيرانية القادر على أن يكبح جماح “الحرس الثوري”.

 

فرصة أضاعتها السلطة الفلسطينية في مجلس الأمن

 

مستشار الأمن الوطني الدكتور مساعد بن محمد العيبان، الذي ترأس الوفد السعودي في المحادثات مع إيران، أشار في كلمته إلى أن أهمية “فتح صفحة جديدة تقوم على الالتزام بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمواثيق والأعراف الدولية”، والـ”تأكيد على مبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها”، لأن ذلك “يُعد ركيزة أساسية لتطور العلاقات بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقتنا”.

 

إذاً، ما يهم المملكة العربية السعودية هو أن تلتزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالمواثيق الدولية وبمبدأ حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واحترام سيادة الدول.

 

وهذه تعتبر بمثابة المفاتيح الرئيسة لأي علاقة صحية، تتطور مع الزمن. وتتحول شيئاً فشيئاً نحو التعاون الأوسع، وهو الأمر الذي إذا تم فسيصب في مصلحة رفاهية الشعبين السعودي والإيراني. ويضعف من الخطابات المتشددة والطائفية.

اقرأ أيضاً:

 

ليس من المتوقع أن تنقلب الأمور فجأة نحو علاقات متينة وشراكات واسعة. وكأن شيئاً لم يكن؛ إنما الثقة عملية طويلة الأمد، تبنى عبر الزمن، ومن خلال تراكم الإيجابيات والمبادرات المشتركة. ونزع فتيل التوتر من الملفات محل الخلاف، وإرسال رسائل إيجابية تشير بوضوح إلى رغبة جادة في الانتقال بالعلاقة من مستوى إلى آخر أكثر تعاوناً.

 

الأهم في هذه المرحلة، أن يقل مستوى التوتر، وأن تسود أجواء من الأمن والاستقرار، سواء في ما يتعلق بالمنشآت الحيوية أو إمدادات الطاقة؛ وهو الأمن الذي إذا استتب. فسيدفع تالياً إلى البدء في فتح آفاق لتعاون تجاري، وصناعي، وثقافي، ورياضي، وفني؛ لكن المدخل الآن عبر “الاتفاقية الأمنية”. لأنها الأرضية الصلبة التي تبنى عليها بقية التفاهمات.

 

سيكونان شهرين هامين في تاريخ العلاقات بين البلدين. يجب ألا يستعجل فيهما المراقبون الحكم، لا سلباً ولا إيجاباً، بل أن يُحلل المتابع التطورات بعقل سياسي غير انفعالي.

 

الأكيد أن ما حصل في بكين من لقاء سعودي – إيراني، هو تطور كبير وغاية في الأهمية. سينعكس إيجاباً على منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، إذا تم الالتزام بما تم الاتفاق عليه

 

حسن المصطفى – النهار العربي

 

المصدر
النهار العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى