اتجاهاتصحف عالميةمقالات

لا أحد بحاجة لكل هذا التوتر الجزائري

 

 

لو كنت مواطناً جزائرياً لأحسست بالقلق، المقابلة التي أجراها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مع وسائل الإعلام المحلية أقل ما يمكن أن توصف به أنها تعكس توتراً تحس به القيادة الجزائرية.

 

ثمة خطاب سياسي تصعيدي مع الجميع، في الداخل والخارج، وهناك ما يقدمه الرئيس لشعبه من تحذيرات بأن الوضع يزداد خطورة.

 

لو جمعنا المعطيات التي وردت في اللقاء سنجد أن الجزائر محاطة بقوى تحاول تدميرها من الخارج، ونسفها من الداخل، الجزائر القوية صامدة أمام هذه التهديدات الوجودية إذاً لا أحد يتمنى غير ذلك، بمن فيهم من تم تصنيفهم جزائرياً بأنهم أعداء للجزائر.

 

عندما ترى ما حدث لليبيا، هل تتمنى أن تكون دولة جوار لجزائر تعاني المشاكل؟

 

أسرف تبون باستعارة المفردات، هناك الحديث عن “الانبطاح” و”الاستهداف” من الخارج والداخل و”الأجندات”، وثمة إشارات إلى الدول والمنظمات التي تستهدف الجزائر بدورات زمنية كل 5 سنوات أو 10، وأن هذه المنظمات تتبع أجهزة مخابرات تستهدف الجزائر.

 

الصورة التي رسمها الرئيس الجزائري لوضع بلاده إقليمياً ودولياً مقلقة، ولا تدعو للاطمئنان، صحيح أن اللقاء الدوري مع الإعلام من الضروري أن يكون صريحاً وأن يعكس تفكير القيادة الجزائرية ونظرتها للأمور.

 

وهنا ينبغي الإشادة بصراحة الرئيس الجزائري لأنه لم يتكتم على أيّ موقف سياسي من أيّ قضية وقال ما يحس به أو يعتقده بلا مواربة، الآن تتضح الصورة أكثر ويمكن تفسير الكثير من المواقف والقرارات الجزائرية التي تبدو للبعض صعبة على الفهم، أو ربما هي سهلة الفهم أكثر من اللازم.

اقرأ أيضاً:

 

لا نعرف بالضبط ما هي المؤشرات التي تجمعت لدى القيادة الجزائرية كي تخرج بالانطباع أو فكرة الحصار والمواقف الكيدية التي تحيط بها.

 

عهد الرئيس تبون الذي بدأ نهاية عام 2019 هو عهد الوفرة المالية المتأتية من ريع الغاز بالدرجة الأولى.

 

المال هو أزمة الجزائر المستمرة والسبب، كما شخصه تبون في حديثه مع الإعلام هو انعدام التنمية، معادلة الإنفاق معضلة لم تحل في الجزائر، بسبب تراجع المشروع التنموي المستمر.

 

الدولة الجزائرية استكانت لفكرة الريع لعقود، الوضع الاقتصادي في البلاد يتأرجح بين خطر المؤشر عند الأحمر وعودته إلى مرحلة الأمان عند الأسود، وضع مرتبط بأسعار النفط والغاز، تكرر الأمر مرات خلال عهد الاستقلال من دون الوصول إلى حل تنموي يتناسب مع إمكانيات الجزائر البشرية والطبيعية، أو يستطيع أن يتواكب مع النمو السكاني.

 

الرئيس تبون ابن مؤسسة الحكم وتدرج فيها منذ السبعينات إلى يومنا هذا، يعرف جيداً أن تحويل الريع إلى تنمية هو الأساس للخروج من حلقة الإنفاق من الواردات النفطية وعائد الغاز لتمويل الدولة.

 

هذه مشكلة، وليست أزمة، عليه أن يحلها بأدوات من الواضح أنه يضغط لتفعيله، تبون لا يتردد في لوم حكومته على إجراءاتها المتعثرة في العمل والتنمية والحرص على رفاهية الناس.

 

لكن حديث الرئيس مع الإعلام يشير إلى وجود أزمات خطيرة تفرض النبرة المتوترة في كلامه، ولكن هل حدث هذا فعلا؟ فلنستعد بعض الأزمات التي تسببت بردود جزائرية سياسية ودبلوماسية واقتصادية متشددة.

اقرأ أيضاً:

من الصعب القول إن حرائق الغابات أزمة حقيقية، هي قضية مأساوية إلى أبعد حد، ونتج عنها واقع أليم خصوصاً في المناطق المتضررة أو من انتهى ضحية للحرائق أو بيد الغوغاء قتيلاً بتهمة لا ذنب له فيها.

 

اليوم، وقد أصبحت الحرائق خلفنا، هل كانت ثمة مؤامرة لحرق غابات الجزائر؟ كل ما نذكره هو أن الحرائق اشتعلت في كل حوض البحر المتوسط.

 

لم ينج بلد واحد منها، من تركيا وصولاً إلى إسبانيا، ومن تونس إلى المغرب، التوتر والمبالغة في تفسير ما حدث، قاد الجزائر إلى قرارات مقاطعة المغرب اقتصادياً وتعطيل مرور الغاز لها ولغيرها في أوروبا، ومنع رحلات الطيران المتعلقة بالمغرب، حتى تلك التي تخص دولاً أخرى لا علاقة لها بالبلدين.

 

ردود فعل مبالغ فيها تجعلك تفكر بأن من اقترحها على الرئيس الجزائري لا بد أن لديه عقدة شخصية من النار والحرائق.

 

أزمة كوفيد بدورها رافقت عهد تبون، وإذا كانت الحرائق محصورة بحوض المتوسط، فالوباء لم يوفر أحداً. ولعل الجزائر من أقل الدول التي تحدثت عن انعكاسات سلبية للوباء على اقتصادها. فلا هي ببلد سياحي، ولا بنشاطات صناعية واسعة، في الحقيقة الحجر على حركة الموظفين وفر الكثير على الدولة الجزائرية من وقود للتنقل وطاقة لإضاءة المكاتب.

 

ثم جاءت أزمة الحرب في أوكرانيا، لا شك أن أسعار الغذاء زادت عالميا بطريقة لم تحدث من قبل. ولبلد يستورد الكثير من الحبوب والزيوت والمنتجات الغذائية، فإن فاتورة الاستيراد سترتفع. لكن قبل ارتفاع هذه الفاتورة، ثمة ارتفاع كبير في الواردات، الجزائر مستفيدة بالمحصلة من الأزمة في أوكرانيا.

 

الأزمة في أوكرانيا زادت أيضاً من الأهمية التجارية للجزائر، الغاز الجزائري يعوض جزءا؟ من الفارق الذي تركه الغاز الروسي.

اقرأ أيضاً:

 

وكما شخص الرئيس تبون، فإن دولة أوروبية مثل إيطاليا تتقرب اليوم أكثر من أيّ وقت مضى من الجزائر طمعاً بغازها، لكنه تقارب حذر لسببين:

 

الأول، الانطباع السائد بأن الجزائر ذات سياسة رد فعل متسرعة مع جيرانها. كما شاهدنا في قطع الغاز مع المغرب أو مضايقة الجار التونسي.

 

والثاني، أن الاستثمارات في مجال الطاقة مع الجزائر محفوفة بالمخاطر. فلا ضمانات أن تنفق المليارات لمد أنبوب غاز، وتضمن أنه سيعمل دائماً ولا يتأثر مرور الغاز بموقف سياسي.

 

الجزائر لا تفصل ما بين السياسي والاقتصادي عندما تنفعل. كلام من الشكل الذي قدمه تبون عن حب الجزائريين للشعب الإسباني واحترامهم للعاهل الإسباني لا يمكن صرفه سياسياً أو اقتصادياً في مواجهة تعليق العمل بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا.

 

المد والجزر في العلاقة مع فرنسا مفهوم، ما ليس مفهوماً هو العودة دائماً إلى نقطة انطلاق العقدة الاستعمارية الفرنسية بحق الجزائر. كلما يقول المراقبون إن البلدين طويا صفحة تاريخية مؤلمة بينهما، عادت العقدة بشكل آخر.

 

العقد التاريخية لا يمكن الاستهانة بها، لكن يجب أن تكون في إطار التاريخ. ولا نحملها على ظهورنا دائما، إذا كان ثمة مثال على تجاوز العقد التاريخية، فيمكن تعلمه من فرنسا نفسها.

 

الجيش الألماني غزا فرنسا واحتلها وأهانها مرتين خلال أقل من قرن، المرة الأولى في حرب 1870 – 1871. عندما وصل الأمر بأن أسر الجيش البروسي إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، بل وأعلنت الوحدة الألمانية من أغرب مكان يمكن تخيله. هو قصر فرساي رمز السيادة الفرنسية، وتم تتويج القيصر فيلهالم الأول إمبراطوراً على ألمانيا الموحدة بحضور صانع الوحدة الألمانية أوتو فون بسمارك.

اقرأ أيضاً:

 

والمرة الثانية، عندما دخل الجيش النازي باريس وشاهدنا الفيوهرر أدولف هتلر وهو يختال أمام برج إيفل. هل توجد إهانات أكثر من هذه، لكن، كم بقي من هاتين العقدتين التاريخيتين في العلاقة الألمانية الفرنسية اليوم؟

 

لحسن الحظ أن الجفاف ليس مؤامرة وإلا لكان تبون قد أشار إليه.

 

الوفرة المالية التي أتت مع زيادة العائدات من مبيعات الطاقة الجزائرية نافذة أمل للتنمية والرخاء لشعب انتظر طويلاً كي يتجاوز العثرات التي رافقت عهد الاستقلال.

 

نوافذ الأمل هذه تفتح وتغلق، وقد لا تتكرر، نافذة الإنتاج النفطي مثلاً أغلقت. بعد أن وصل الحال بآبار النفط الجزائرية أنها بالكاد تكفي للاستهلاك المحلي.

 

الحديث الرئاسي الصريح في بعض جوانبه بما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية والتنموية هو ما يريد الجزائري سماعه. ومن المؤكد أنه لا يريد أن يسمع نبرات التوتر الباعثة للقلق عن تربص بالجزائر من قبل أعداء مفترضين. لم نر منهم إلا شمساً حارقة أوقدت الغابات وجفافاً حرم المزارع الجزائري من موسم زراعي.

 

هيثم الزبيدي – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى