اتجاهاتصحف عالميةمقالات

زلازل قوم عند رؤساء فوائد.. أردوغان مثالاً

 

 

الاعتقاد السائد بين العديد من المتابعين للشأن التركي هو أنه كما شكّل زلزال 1999 بداية البداية لمسيرة رجب طيب أردوغان السياسية، فإن زلزال 2023 قد يشكل بداية النهاية لما بات يسمى بالحقبة الأردوغانية في تركيا.

 

هذه النهاية التي قد تتجلى قريباً في خسارة الرئيس التركي وحزبه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في مايو أو يونيو القادم، هذا إن لم يستجد ما ليس في حسبان أحد سوى أردوغان.

 

الفريق المتفائل والمتلهف لزوال حقبة أردوغان يقول إن خسارة أردوغان وحزبه الانتخابات القادمة شبه حتمية حتى دون حدوث الزلزال الأخير وتداعياته الكارثية.

 

فالتضخم الصاعد، وتدني قيمة الليرة التركية، والكساد الاقتصادي، وهروب الاستثمارات، واحتضار ما تبقى مما يسمى تجاوزاً بالديمقراطية التركية، وتفاقم مشاكل تركيا السياسية والجيوسياسية مع الغرب ودول الجوار وما بعد الجوار، كلها تشكل أسباباً وعوامل جوهرية كافية لوضع نهاية لمرحلة قاتمة أتخمت الداخل والخارج التركي احتقاناً وتوتراً.

 

وجاء الزلزال الكارثي غير المسبوق في السادس من فبراير ليزيد طينة أردوغان وحزبه بلة، ويضاعف الثقل على كاهله المثقل أصلا،ً ويقلل من فرص نجاحه في الانتخابات المقبلة، ويضاعف فرص نجاح مناوئيه.

 

ويذهب المتفائلون بقرب نهاية أردوغان السياسية إلى القول بأنه كما مهد زلزال 1999 الذي ضرب مناطق قريبة من إسطنبول الطريق أمام حزب العدالة والتنمية لاستلام الحكم وأفول نجم الكماليين، من المرجح أن يشكل زلزال 2023 نهاية ما باتت تسمى بالمرحلة الأردوغانية.

 

 

خاصة وأن سيل الانتقادات اللاذعة التي طالت حكومة بولنت أجاويد في أعقاب زلزال 1999 بخصوص عدم الاستعداد للطوارئ والتجاوب غير المتكافئ مع نتائج الزلزال ومعايير البناء الرديئة وغياب الجودة والفساد، هي نفسها التي تثار ضد أردوغان وحزبه عقب الزلزال الأخير.

 

لكن أردوغان الخبير بدهاليز السياسة وخفايا وخبايا الحكم وكواليس الدبلوماسية والذي يحكم تركيا منذ 2002 بعقلية الملك المطلق، وليس الحاكم المنتخب المؤقت والجامع للدين والقومية التركية في إطار العظمة العثمانية، قد يستطيع الإفلات من عواقب هذا الحدث الجلل، هذا إذا لم يفلح في توظيف الحدث وتبعاته في خدمة أجنداته وتذليل التحديات والعقبات التي قد تمنعه من الفوز بفترة رئاسية جديدة.

 

منذ اليوم الأول للزلزال، صرح أردوغان أن استجابة حكومة العدالة والتنمية ستكون على مستوى الحدث، حيث زعم أنه قد تم تخصيص 5 مليارات دولار لدعم عمليات الطوارئ والإغاثة الحكومية وحشد عشرات الآلاف من عمال الإغاثة وأفراد الأمن في عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض، علماً أن تقارير عديدة تناولت التقاعس والتراخي الذي رافق عمليات إزالة الأنقاض وإنقاذ العالقين بين الركام.

 

الرئيس الأمريكي جو بايدن ينوي الترشح لولاية ثانية

 

حَرص أردوغان على التواجد في معظم الأماكن المنكوبة للإيحاء بأنه يشرف شخصياً على عمليات الإغاثة. وتلميع صورته كزعيم قوي قبيل الانتخابات. الأمر الذي اعتبره المراقبون بمثابة رد على خصومه واستباقاً لأية انتقادات بشأن عدم الاستعداد لحالة الطوارئ القصوى. أو التقاعس في الاستجابة لانعكاسات الزلزال وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض. وزعم أنه قد تم تخصيص صندوق مخصص للزلازل وضحاياها.

 

يسعى أردوغان جاهداً لاستمالة الرأي العام التركي. ويستميت في محاولة إقناع المعارضة التركية بأن مآلات الكارثة تتطلب التضافر والتعاضد. وتأجيل الصراعات والمنافسة غير الشريفة حول السلطة.

 

اقرأ أيضاً:

 

وقد كثّف هو وحاشيته من تجوالهم في المناطق المنكوبة ذارفين دموع التماسيح لإيهام الرأي العام التركي. خاصة في المناطق المنكوبة، أن الحزب الحاكم استنفر كل إمكانيات الدولة للخروج من الأزمة بشكل مبكر. الأمر الذي شكك بمصداقيته المراقبون والإعلاميون والمعارضة داخل وخارج تركيا.

 

بالمقابل، يتحاشى أردوغان التطرق إلى مئات من التقارير والمقالات. التي أشارت إلى أن تجاهل معايير البناء الحديثة ساهمت في استفحال الأزمة وتضخيم الآثار المدمرة.

 

وكتبت أسلي أيدينتاسباس من معهد بروكينغز مقال رأي في واشنطن بوست جاء فيه “عام 2018. بعد ما يقرب من عقدين من الزلزال الهائل عام 1999، أقرت تركيا أخيرًا تشريعات بشأن الزلازل طال انتظارها. لقد وصف أردوغان بشكل متكرر صناعة البناء بأنها جوهرة تاج الاقتصاد مما شجع على الافتقار الضمني للرقابة. معظم عقود البناء العامة الكبيرة في تركيا تذهب إلى نفس المقربين من الحكومة”.

 

هذه أكثر مواقع التواصل الاجتماعي تجسساً عليك!

 

ويبدو أن الحضور اللافت لأردوغان وكبار المسؤولين في الحكومة بالمناطق المتضررة والبروباغندا الإعلامية الغوبلزية (نسبة إلى وزير الدعاية في ألمانيا النازية) الفريدة والمبالغ فيها بخصوص الاستجابة لانعكاسات الزلزال. خاصة خلال هذه الفترة القصيرة التي تسبق الانتخابات، قد يكون لها انعكاس ايجابي لصالح أردوغان وحزبه في صناديق الاقتراع. وكما يقول أدولف هتلر “من حسن حظ الحكام أن الناس لا يفكرون”.

 

سلوك الرئيس التركي يذكرنا بما يقوله مكيافيللي في كتابه “الأمير”: “على الحاكم أن يتظاهر بالرحمة والوفاء والنزاهة والتدين. وإن كانت فيه حقيقة فذلك أحسن، ولكن عليه أن يكون متأهباً للتخلي عن كل هذه الصفات والعمل بضدها إذا اقتضى الأمر. والتحلي بسياسة الأيدي القذرة والقفازات النظيفة”.

 

اقرأ أيضاً:

 

على الصعيد الخارجي، ونظراً لتدفق الدعم الدولي غير المسبوق على تركيا. قد يتيح ذلك تخفيف التوترات المتراكمة بين تركيا وعديد الدول الأوربية والعربية والشرق أوسطية. وحلحلة مشاكل تركيا الجيوسياسية مع دول الجوار. إضافة إلى إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية وفتح المعابر الحدودية لأول مرة منذ 35 عاماً مع أرمينيا.

 

وبدأ أردوغان بالفعل في الإشادة بالإسراع الدولي لمساعدة تركيا في محنتها وتوظيف ذلك لصالحه. بعد أن أشار ولأكثر من مرة إلى موقع ودور تركيا المهم في العالم. الأمر الذي بدا جلياً في محنة الزلزال، والذي لولا قيادة أردوغان وحزبه لتركيا منذ 2002 لما تبوأت هذه المكانة المرموقة في العالم. ولما تهافتت الدول على مساعدتها، كل ذلك وفق منظور الرئيس التركي طبعاً.

 

على الرغم من صعوبة تخيل أن أردوغان لن يستمر في رئاسة تركيا لخمس سنوات قادمة. أو أن حزبه لن يشكل الحكومة القادمة، حتى إذا خسر الانتخابات المقبلة. وتجهيزه مسبقاً لعدة سيناريوهات بديلة كما حصل عقب انتخابات 2015. إلا أن هذا لا ينفي أنه في انتظار مواجهة شاقة في مايو أو يونيو.

 

وكما يقول الباحث التركي سونر كاجابتاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “إن تداعيات زلزال 1999 تحدت الموقف الأيديولوجي للدولة الكمالية التي يبلغ عمرها 80 عامًا والتي أسسها أتاتورك. وكما سقطت الدولة الكمالية مثل بيت من ورق، وما لم نشهد انفراجاً كبيرًا. سيتساءل المواطنون في تركيا قريباً عما إذا كان أردوغان أيضًا نمرًا من ورق”.

 

 

جوان ديبو – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى