اتجاهاتفلسطينمقالات

الإمارات بين مجزرة جنين وعملية القدس

 

 

قتل 9 مستوطنين إسرائيليين مساء الجمعة، في عملية إطلاق نار في القدس، نفذها الشاب الفلسطيني خيري علقم والذي استشهد أثناء الهجوم الذي أدانته الإمارات العربية المتحدة واعتبرته “إرهابياً”.

 

تلك الإدانة ليست الأولى وليست جديدة على المنهج السياسي للإمارات، منذ إعلانها التطبيع مع إسرائيل، وهي إذ تحاول علانية أن تقف في منتصف المسافة، إلا أنها تتخذ فعلياً الموقف المنحاز، تماماً كالدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا.

 

ذلك الموقف الذي يرى نصف المشهد، ويدين نصف العنف. وإن تعاملنا بلغتهم أو كلماتهم وفِهمهم، بأن جميع أعمال العنف يجب رفضها. بينما يرفضون جانباً واحداً فقط، وهو الجانب الفلسطيني! والذي ينبع عنفه كرد فعل طبيعي على العنف والظلم الذي يواجهه كل يوم تحت قوة الاحتلال.

 

ولو تجردنا من كل الآراء السياسية، وخلعنا فكرة الحق والأرض، ونظرنا بإنسانية فقط لمشهد القدس، ربما يبدو المشهد مؤلماً جداً وخادشاً لمشاعر الإنسانية الصرفة، وله وقع تلك العمليات التي نشهدها في أماكن متفرقة من العالم من عمليات إرهابية أو متطرفة تستهدف المدنيين بدوافع متطرفة أو سياسية.

 

لكن ذلك، يظل أهون بقليل، وأقل أذاً “للإنسانية المفرطة”، التي يتبجح بها البعض، من ذلك المشهد الذي حدث صباح الخميس في مخيم جنين. وراح ضحيته 10 فلسطينيين على الأقل. فأن يطلق رجل واحد النار على المارة في الشارع، أقل ذعراً من أن يفتح عشرات الجنود نيران أسلحتهم وآلياتهم تجاه منازل المدنيين، ومن أن يسقط سقف منزل على رؤوس أهله الآمنين.

 

اقرأ أيضاً:

 

لا مقارنة أبداً في مستوى القوة المستخدمة .. ولا يقول لي أحد أن تلك قوات تعود لدولة أو أنها تخوض عملية لدواعٍ أمنية، لأن وجود تلك القوات داخل الضفة المحتلة بكل مدنها ومخيماتها أمرٌ مخالف للقانون والشرائع الدولية. ولا يوجد دواعٍ أو مبرر لأي “دولة” في قتل واستهداف المدنيين كما حدث ويحدث خلال الأسابيع الماضية في نابلس وجنين والخليل ورام الله والقدس.

 

ولذلك، إن كان الحَكم هو فقط “الإنسانية”، فأين إنسانية الإمارات مما حدث في جنين؟! ولا ألوم الغرب أو أمريكا على ما عهدناه منهم في إدانة هذه العمليات. بل ألومهم لأنهم جزء من الاحتلال وأساس له. أما الإمارات فهي تدعي دعمها حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية. وأن تطبيعها العلاقات مع إسرائيل كان بداعي التوسط بينها وبين الفلسطينيين والتوصل لحل عادل للقضية بناء على ذلك. لكن يبدو أن الدعوى اندثرت مع الأيام والأحداث.. وأن الأمر ليس إنسانياً، إنما هو سياسياً أو اقتصادياً فقط.

 

أمريكا… وسحر الشرق الأوسط

 

ورغم أن الكثير من وسائل الإعلام، تجاهلت حقيقة أنه الإمارات أدانت اقتحام مخيم جنين، وطالبت بضبط النفس. لكنها لم تعتبر ذلك جرماً إرهابياً، وتعدياً على الحق الفلسطيني وسفكاً لدماء الأبرياء والآمنين في منازلهم.

 

والإمارات إذ تدين عملية القدس، فهي تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز العلاقات السياسية مع إسرائيل. ودول أخرى مثل بريطانيا، بينما يظل موقفها من مجزرة جنين خجولاً. ويرمي باللوم على جميع الأطراف، لتعويم الحق، ولأن ليس هناك علاقات سياسية أصلاً مع الفلسطينيين. يدفعها لأخذ موقف مناصر لهم، كموقفها تجاه الإسرائيليين.

 

اقرأ أيضاً:

 

المؤسف في ذلك كله، هو ردود الشعوب على مواقع التواصل الاجتماعي، استنكار البعض، ودفاع البعض الآخر بالهروب إلى قضايا أخرى، كإدانة تركيا للعملية مثلاً. ردود في معظمها رفض أو استنكار للموقف الإماراتي، وذلك للأسف غير لائق وغير جائز. حتى لو اختلفنا مع موقف دولة عربية، فذلك ليس مبرراً أو دافعاً لمهاجمتها. بل الأولى النأي بالنفس، وترك السياسة لأصحابها كما يقال. والاكتفاء بالصمت، الذي كان أولى للإمارات أن تكتفي به.

 

لكن ربما لن يرضي ذلك المحتل البريطاني، الذي ترك الخليج كما ترك فلسطين، ولكن بعد أن جاء لها قبل عشرات السنين، بالعصابات الإسرائيلية، والميليشيات. وسهل سفر المستوطنين لها من دول أوروبا والعالم، ثم وفر لهم السلاح والدعم، ليصبح لهم دولة بعد ذلك بحكم القوة والأمر الواقع.

 

ثم يأتي أحد من أقصى الشرق العربي ليبرر التطبيع مع الاحتلال، بأن الفلسطينيين أنفسهم طبعوا مع الاحتلال. ولا أفهم كيف يمكن قول ذلك، وأي عقلية يمكن أن تقتنع أن الفلسطيني الذي سلبت أرضه وسرق حقه يطبع مع الاحتلال. رغم أن الاحتلال يملك القوة التي لا يمنعه أحد من استخدامها في إكراه الفلسطينيين على ما لا يطيقونه.

 

على أي حال، الحق الجلي مما حدث، هو أن مدن فلسطين كلها احتفلت، بل كل فلسطيني في الداخل المحتل والضفة وغزة والشتات، وكل عربي قومي، كلهم احتفلوا بما حدث في القدس. وشفى قلوبهم عن جزء مما حدث قبلها في جنين، ويحدث كل يوم في القدس ونابلس ومدن فلسطين. وببساطة، لأن تلك مسألة حق، ومسألة أرض واحتلال، وليس هناك مستوطن مدني. وليس هناك سارق إنساني. وكل من يدعم المحتل كمن يدعم السارق. هو ضد الإنسانية. وما فعله علقم ليس عنفاً مرفوضاً، إنما هو دفاع عن الحق في وجه الظلم، ودفاع عن الأرض في وجه الاحتلال.

 

 

حسين حرزالله – دقيقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى