اتجاهاتمقالات

محمد أبو الفضل يكتب: تدحرج كرة الثلج بين مصر والكويت

 

 

لا يجد مصريون كثيرون تفسيراً لمظاهر القسوة التي يكنّها كويتيون لبلدهم مؤخراً، ويتذكرون دوماً أن القاهرة ومدناً عديدة كانت ملاذاً دافئاً للآلاف منهم عندما جرى غزو بلدهم من جانب العراق منذ حوالي ثلاثة عقود، فكلما طرح أمر يتعلق بمصر في الكويت بشأن العمالة ومشاكل المقيمين في البلدين يتحول إلى ملف سياسي.

 

كان يمكن أن يكون كلام أحد النواب في مجلس الأمة الكويتي مؤخراً حول مصير المساعدات التي قدمتها بلاده لمصر من باب المناوشات المعروفة داخل المجلس والمستهدف منها الحكومة نفسها وسياساتها.

 

لكن الأمر تطور للمطالبة بوقف منح أيّ قروض لمصر وفقاً لتوصية صندوق النقد الدولي لدول خليجية، ثم جاء غياب الكويت عن القمة التشاورية التي عقدت في أبوظبي قبل أيام كرسالة داعمة لهذا الاتجاه.

 

ومع أن القمة التشاورية لم يعلن عن أهدافها بوضوح سوى أنها أخوية، إلاّ أن اجتهادات مختلفة ذهبت إلى أن طلب مصر والأردن مساعدات من دول الخليج طرح عليها. وهو ما عزز تفسير غياب الكويت عنها، وتوجيهها رسالة مباشرة إلى القاهرة أن المسألة تخضع إلى مراجعة وفي طريقها لتغيير نمط التعامل السابق.

 

وجهت السعودية، التي غابت أيضاً عن قمة أبوظبي التشاورية. رسالة بهذا المعنى مباشرة، عندما تحدث وزير ماليتها محمد الجدعان أمام مؤتمر دافوس قبل أيام. مؤكدا ما يفيد أن بلاده غيرت طريقة المساعدات الإنمائية، والمعروض على أيّ دولة، في إشارة لمصر. هو من قبيل الاستثمار فقط.

 

اقرأ أيضاً:

 

تشير المناكفات الكويتية المتفرقة مع مصر إلى أزمة بين البلدين. تحاول القيادة السياسية فيهما تطويقها بالصمت تارة، وإجراء مشاورات بين كبار المسؤولين تارة أخرى.

 

في الحالتين لم يتحقق تقدم ملموس يطفئ الغضب الظاهر في نفوس شريحة من الكويتيين تتبنى موقفاً يبدو “عدائياً ومتربصاً”، بات قابلاً للاشتعال في أيّ لحظة، كأنه ينتظر حادثاً هنا أو موقفاً طارئاً هناك.

 

يصلح النشاط السياسي للإخوان في الكويت ليكون مفسّراً لهذا النفور، بحكم التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين، وقيام القاهرة بتقديم أدلة على تورط شخصيات كويتية ومصرية (إخوانية) في أعمال عنف وإرهاب وتحريض ضد مصر.

 

وهو المحدد الذي يلقي قبولاً لدى دوائر سياسية مراقبة، ويرمي إلى ممارسة أنواع متعددة من الضغط يعلم أصحابها أن لها تبعات مكلفة اقتصادياً على مصر في الوقت الراهن.

 

فهمت القاهرة ورقة التخلي عن العمالة المصرية على أنها ضمن سياسة “التكويت” التي تتبعها الحكومة. وحاولت البحث عن قواسم مشتركة تحافظ على الحد الأدنى من التفاهم. لكن كلما اقترب البلدان من هذه النقطة ظهر ما يعيدها إلى المربع الأول من التوتر والتأزم، وتظهر حوادث اعتداء مفاجئة أو عمليات تحريض على مصريين تحرج الحكومة الكويتية التي تتغير بوتيرة سريعة.

 

اقرأ أيضاً:

 

جاءت ورقة القروض والمساعدات الكويتية لتؤكد أن ثمة من يريدون استثمارها. لأنهم يعلمون حجم الألم الذي سوف تسببه لمصر، والتي تعاني من تحديات اقتصادية صعبة. زاد عليها ترويج شائعة بغيضة حول تحويل جزء كبير من المعونات الخليجية إلى حسابات قيادات خاصة في جهازي الجيش والشرطة بمصر.

 

تكفي هذه الشائعة التي لقيت انتشاراً لدى كويتيين لفهم الجهة المروّجة لها. لأنها جزء أساسي في خطاب الإخوان الذائع في وسائل الإعلام التابعة للتنظيم الدولي، والذي له حضور قوي في الكويت. ما يجعل الأزمة متعلقة بالنيل من النظام المصري ودفعه إلى وقف ملاحقاته لعناصر الإخوان أو القبول بصفقة سياسية للمصالحة مع الجماعة.

 

العقيدة السعودية في اليمن!

 

وجود الإخوان في الكويت ليس جديداً، وتأثيرهم على الحياة السياسية وداخل مجلس الأمة ظهر منذ سنوات طويلة. غير أن استهداف مصر من قبل الجماعة وأذرعها المختلفة والمتحالفين معها بدأ يتصاعد مع تسليط الأضواء على ملف العمالة بحجة تطبيق سياسة “التكويت”. خاصة أن هناك ما يقرب من 700 ألف مصري وهو رقم كبير، فهم  يعملون ويعيشون في الكويت، وتسريح هؤلاء وغيرهم لن يحل أزمة الكويت.

 

تحول هذا الملف إلى رأس حربة، ففي كل مشكلة تنشأ يطفو على السطح ويزداد اللغط حوله. ولا تجد القاهرة سبيلاً لتسويته مع الحكومة الكويتية المهددة بشبح التغيير دوماً. بما ينعكس على أيّ قرار يمكن أن تأخذه. وأصبح كالتفاهم مع مصر، كما كان سابقاً. يتم التعامل معه باعتباره تسلطاً على حقوق الكويتيين.

 

اقرأ أيضاً:

 

 

منح تجميد ملف العمالة أو عدم حدوث اختراق فيه، سلباً أو إيجاباً. قوى معارضة في الكويت ومناوئة لمصر على الاستفادة منه سياسياً. وتوظيف ملف كان مسكوتاً عنه ويتعلق بطبيعة القروض السابقة واللاحقة كورقة تحرج القيادة الكويتية وتشكك في نزاهتها. وقد تحشر القاهرة في زاوية ضيقة، لأنها لن تقتصر على الكويت.

 

من المؤكد أن العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول الخليج أخذت شكلاً مختلفاً عما اعتاد عليه الطرفان في السنوات الماضية. وما حدث في الكويت على الرغم من محدودية الالتفاف حوله رسمياً حتى الآن. إلا أنه إشارة قوية للقاهرة للانتباه أن هذا التغير يزداد اتساعاً وسوف يتداخل مع ملفات أخرى تتجاوز البعد الاقتصادي الظاهر.

 

يعتقد من طرحوا ملف المساعدات والمنح والمعونات وأين ذهبت بالضبط أنهم وجهوا لطمة مزدوجة للقيادة الكويتية ومصر. فالأولى أضحت تحت مراقبة صارمة ولن تستطيع تمرير توجهاتها الاقتصادية بالطريقة التي اعتادت عليها. وكل قروض يمكن أن تمنح لا بد أن تكون لها فوائد محددة للدولة.

 

الثانية (مصر) لم تعد قدرتها على الحركة والمناورة مع الكويت أو غيرها كما كانت. وعليها أن تستعد لسياسة جديدة. جزء مهم فيها المساومة والابتزاز ومراعاة المصالح المتبادلة. وهي معالم يمكن أن تضم ملفات خلافية متباينة قد تؤدي إلى تفاهم حول بعض القضايا الشائكة أو قطيعة لها تبعات تتخطى الحدود الاقتصادية.

 

يعني ذلك أن كرة الثلج بين مصر والكويت تتدحرج وتزداد تضخما وتبتعد عن المنطقة التي انطلقت منها. وربما تأخذ في طريقها قضايا لم تجد علاجاً ناجعاً. أو كان يعتقد أن تراكمها مؤقت وجاء بسبب هطول أمطار تحولت إلى ثلوج باردة لن تشهد سخونة زائدة.

 

ويعني أيضاً أن الصراحة والوضوح والمكاشفة هي المسارات التي يجب أن تحكم العلاقة بين مصر والكويت. وكل دول الخليج، لأن الخيارات أمام الأخيرة صارت كثيرة، والعلاقة مع القاهرة يمكن أن تفقد جانباً من زخمها مع الوقت. فإذا عجزت عن احتواء مشكلات بسيطة قد تواجه بأزمات عصية على الحل في المستقبل.

 

 

 

محمد أبو الفضل – العرب

 

 

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى