اتجاهاتصحف عالميةمقالات

ماذا تريد الجزائر الأفريقية من أفريقيا؟

 

 

رصدت الجزائر مبلغ مليار دولار في صندوق وكالة التضامن والتعاون الدولي المستحدثة في السنوات الأخيرة، من أجل استثماره في القارة السمراء، ليكون فاتحة عهد دبلوماسي جديد يشدد على البعد الأفريقي للدولة، ورغم وجاهة المبادرة إلا أنها تبقى خطوة غير واضحة المعالم وغير كافية، لأن المليار دولار على رمزيته مقارنة بحجم وحاجيات القارة، في حاجة إلى جهد موازٍ وتفكير جاد ويد في توظيف دبلوماسية المال.

 

دبلوماسية المال، أمر مشروع، لم تبدعه الجزائر كما يزعم منافسون لها في القارة، فقد وظفت قوى كبرى مليارات من أجل إرساء شراكات متنوعة مع أفريقيا، وصارت القارة السمراء ضيفاً مرحباً به في العديد من العواصم، على غرار واشنطن، موسكو، طوكيو، أنقرة، باريس وبكين.. وغيرها.

 

ولكل من هؤلاء رؤيته وزاويته الخاصة في الشراكة التي يريدها مع أفريقيا، هناك من يريدها معرضاً للاستهلاك، أو سوقاً لليد العاملة الرخيصة، أو منجماً للمواد النفيسة والنادرة، أو موقفاً سياسياً داعماً.

 

القليل فقط من يريد شراكة ندّية ومصالح متبادلة، ولذلك باتت أفريقيا اليوم صاحبة خيارات، وليست قارة يطبعها الفقر والتخلف والجوع والأمراض.

 

السؤال المطروح ماذا تريد الجزائر الأفريقية من أفريقيا، وهل تخلّص الجزائريون من عقدة الانتماء للقارة السمراء، التي يصفها كثيرون بـ”الأدغال”، إلى أن فاجأت هذه الأدغال سكان الشمال بتحقيق طفرات تنموية لافتة، ليصبح هؤلاء هم الأدغال.

 

اقرأ أيضاً:

 

ما يحسب للسلطة الجديدة في البلاد، أنها صوبت الأبعاد الحقيقية للجزائر، وعلى رأسها البعد الأفريقي، لكن التصويب لا يتم فقط بمليار دولار لم يتضح بعد إن كان مجرد استعراض دبلوماسي، أم خطوة لمراجعة الكثير من الأخطاء المتراكمة، ويبقى في حاجة إلى الكثير من الجهود والتضحيات من أجل الإسهام في نهضة القارة.

 

الجزائر التي لا ينازعها أحد في موقعها الإستراتيجي، لم تكن على مدى عقود كاملة في مستوى ذلك الموقع، وظلت تعتبر التبعات المترتبة عنه، تبذيراً للمال وإخلالاً بالأولويات، ولم تدرك إلا متأخرة أن للتحدي ضريبة يجب أن تدفع، فبلد تحيط به ست دول وحدود برية تقدر بستة آلاف كلم، ومحيط تتقاذفه التجاذبات تتطلب ميزانية الحفاظ على أمن حدوده وحدها مبلغاً سنوياً يفوق المليار دولار.

 

السعودية تتفق مع بريطانيا على التعاون بشأن القدرات الجوية القتالية

 

المقاربة الأمنية المعاصرة تقوم على أن الأمن يبدأ من خارج الحدود وليس من الحدود ذاتها، وأمن الجزائر يبدأ من ما بعد أم الطبول وجانت وبرج باجي مختار، وغيرها، وهذا في حد ذاته عبء يتطلب المليارات، وهي بذلك مسيّرة وليست مخيّرة، لأن ضريبة الموقع الإستراتيجي تتطلب ذلك، أو هكذا من أراد أن يرتدي ثوب الكبار.

 

مبادرة الجزائر قوبلت باستغراب البعض، لالتباسها بالأداء الاستعراضي الذي تبديه دبلوماسيتها إقليمياً، لكن الحقيقة أن ذلك جاء متأخراً جداً، فالمسألة تستدعي أكثر من ذلك، وتستدعي أيضاً أن تدرج ضمن نفقات الموازنة السنوية، فالدخول على الخط والحصول على القليل، أفضل من التسليم للأمر الواقع ولمليارات القوى الإقليمية والدولية الكبرى.

 

اقرأ أيضاً:

 

ويبقى ذلك كله غير كاف، ويستوجب أن يتوازى مع جهود وخطط أخرى. على رأسها تمدين ستة آلاف كلم من الحدود بمدن وأسواق واقتصاد وتبادل تجاري. لأن المواطن هو من يؤمن الحدود حرصاً على معيشته ومستقبله. قبل العسكرة والعسكري الذي لا ينافسه أحد في دوره، لذا يبقى غير كاف وغير مجد إن لم يعزز بجهود الفرد المدني.

 

المواطن الجزائري في أقصى الحدود الجنوبية قريب من 15 عاصمة أفريقية. أكثر من قربه من عاصمته الجزائر، ولذلك فإن الدولة مطالبة بتأمين حياته ومعيشته ومصالحه. حتى يكون سفيرها الشعبي في تلك المدن والعواصم، وهذا يتطلب أكثر من مليار دولار بكل تأكيد.

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، زار في جولتين أفريقيتين فقط عشر عواصم أفريقية. لكن رؤساء الجزائر تحكمهم عقدة “الأدغال”، فالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. الذي حكم البلاد 20 عاماً، لم يظهر إلا نادراً في أفريقيا، بينما زار باريس سبع مرات، والرئيس عبدالمجيد تبون. الذي مضى على انتخابه ثلاث سنوات لم يزر أي عاصمة أفريقية لحد الآن، ولا توجد أي عاصمة في الأجندة قريبة المدى.

 

اقرأ أيضاً:

 

وأمام هذه المقاربة لا يمكن لمليار دولار أن يحقق أي عائد. لأن المال وحده لا يكفي إذا لم يرافق بنشاط دبلوماسي وتقارب مع من يزعم أنهم بعد قاري ومع من تجمع بهم مصالح مباشرة ومشتركة. فقد سبق للجزائر أن ألغت أكثر من مليار دولار من ديون دول أفريقية وعربية لم يلحظ لها أي أثر اقتصادي أو تجاري أو دبلوماسي. وعندما سئل رئيس الوزراء المسجون أحمد أويحيى عن الأمر، رد “الجزائر لا تصيح في الأسواق”.

 

صحيح أن المن قد يؤدي مفعولاً عكسياً على صاحبه سواء كان فرداً أو دولة، لكن بمنطق تسيير الدول. الجزائر ليست جمعية خيرية، ولم يظهر للمبادرة آنذاك أي أثر، هناك دول استفادت من العفو. لم تصوت حتى على الملف الجزائري لاحتضان كأس أفريقيا لكرة القدم العام 2017. وضاعت الديون وخسرت البلاد وخسر الشعب بذلك المنطق.

 

في تقاليد الأنظمة السياسية، هكذا مبادرات تمر على أكثر من مؤسسة قبل أن تدخل حيّز التنفيذ. لكن في الجزائر قرر بوتفليقة إلغاء الديون بجرة قلم.

 

وقرر تبون رصد مليار دولار لأفريقيا بجرة قلم أيضاً، ولأن “الذي لدغه الثعبان يخاف من جرّة الحبل”. فإن الجزائريين باتوا يتوجسون من هكذا “تبرعات”. لأنها في العادة لن تعود عليهم بالنفع، إلا إذا أثبت تبون عكس ذلك. ولذلك تجدهم غير مقتنعين بالمبادرة أصلاً، لأن الأولوية بالنسبة إليهم هو التكفل بالانشغالات والحاجيات والتنمية الداخلية.

 

 

 

صابر بليدي – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى