اتجاهاتصحف عالميةمقالات

ألف عام على حروبنا

 

 

شعر الأوروبيون بالصدمة لأن عاما مر على حرب أوكرانيا ولم تتوقف. إنه وقت طويل ومزعج. صار المواطنون الأوروبيون من غير أن يعلموا يساهمون في تمويل تلك الحرب. المجهود الحربي صار معلنا بطريقة أو بأخرى. فبعد أن كانت المصارف تدعو عملاءها إلى التبرع دعما للاجئي أوكرانيا فرضت الحكومات ضرائب ورسوما جديدة من أجل دعم آلة الحرب الأوكرانية.

 

عام من الحرب هو زمن طويل. أوروبا باقتصادها القوي غير قادرة على دفع تكلفته. أن يكون هناك أوكرانيون من غير مأوى كارثة لا يمكن الاستهانة بها. هي كذلك بالفعل. عام من الحرب تعطل فيه كل شيء ولم تعد الحياة قادرة على أن تتصل بأسبابها بالنسبة إلى مليون أو أكثر من الأوكرانيين الذين لم يؤخذ رأيهم فيما يجري لهم. فهم مجرد ضحايا. المطلوب أن يكونوا كذلك.

 

ولكن عاما من الحرب هو ليس كألف سنة من الحروب. لست هنا في صدد الاستهانة بآلام وعذابات شعب يتم دفعه إلى الهاوية وفي الوقت نفسه تتم المتاجرة بدموعه من أجل تجهيز الحرب التي تطحنه بالمزيد من الوقود، ولكنني أفكر في تلك الحروب التي شنها الغرب، الولايات المتحدة في عصرنا واستمرت سنوات طويلة. ألم يفكر أحد في تلك الشعوب.

 

لا أرغب في نبش الماضي فأستعيد ما جرى في الجزائر وفيتنام وكمبوديا وبورما، بل اكتفي بعذابات الحاضر. الفلسطينيون في حالة حرب منذ أكثر من سبعين سنة. هم ضحايا ظلم تاريخي يوم أعلن العالم الحرب عليهم وأفقدهم وطنهم وكُتب على أجيال منهم أن تولد لاجئة تنظر بحسد إلى البشر الذين يتمتعون بصفة مواطن.

 

كل فلسطيني هو ضحية حرب تُشن عليه كل لحظة من أجل أن لا يكون فلسطينيا وأن يرضى بأن يحل شخص غريب محله ويكون مواطنا في دولة اسمها إسرائيل حلت على الخرائط الدولية محل فلسطين. لذلك فإن الحرب التي شنت على الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين سنة لا تزال قائمة لأنهم بكل بساطة لم يتخلوا عن حقهم في أن يكونوا مثل بشر العصر الراهن مواطنين.

 

اقرأ أيضاً:

 

ما عمر الحرب التي يتعرض لها الأفغان؟ خمسون سنة منذ الانقلاب على حكم الملك ظاهر شاه. لم تعش أفغانستان يوما هانئا. جاء الروس وبعدهم المجاهدون وبعدهم حركة طالبان وبعدها الغزاة الأميركان وبعدهم حققت طالبان نصرا تاريخيا تتخلله أسرار كثيرة. ولم تنته الحرب. فطالبان نفسها مشروع حرب.

 

أما العراق فإنه بدأ سلسلة حروبه الدموية عام 1980 ولما ينته بعد من طي صفحاتها. ثماني سنوات قضاها في حرب مدمرة مع إيران سلمته إلى حرب خاضها ضد ثلاثين دولة بزعامة الولايات المتحدة وحين حلت نهايته بعد حصار اقتصادي أعاده إلى العصر الحجري قام الأميركان بغزوه وغرزوا قنبلة في كل متر منه. حرب هي أشبه بالحياكة. ومنذ عشرين عاما والعراق يعيش محكوما بتلك الحياكة التي لن تفك خيوطها إلا إذا شهدت المنطقة تحولا في ميزان القوى وهو ما لا يمكن توقع وقوعه في القريب العاجل.

 

هذا موقف السعودية من عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية!

 

وإلى جانب العراق جُرت سوريا إلى حرب مستمرة منذ أكثر من عشر سنوات من غير أن يظهر ضوء في الأفق يشير إلى النهاية. حرب كانت السياسة مظهرها غير أن جوهرها هو التاريخ. كان تدمير سوريا هو الهدف وليس إسقاط النظام. ما أنفقته الدول من أجل تدمير سوريا يمكنه أن يبني غير دولة إضافة إلى سوريا وعلى أسس حديثة. لقد أحرقت كل تلك الأموال من أجل أن لا تكون هناك سوريا.

اقرأ أيضاً:

 

سنة واحدة من حرب أوكرانيا أزعجت الأوروبيين وجعلتهم لا يطيقون العيش. ولكنهم لم يفكروا يوما في السنوات الطويلة التي مرت على الشعوب الأخرى وهي تعاني من جحيم حروبهم. لم يفكر أحد في معنى أن يعيش المرء حياته وكلها حرب. ليس هناك يوم سلام. لطالما حلمت تلك الشعوب بيوم سلام لم يأت.

 

المضحك المبكي أن الأميركان حين غزو العراق مبشرين بالديمقراطية وضعوا على طاولة العراقيين خريطة حرب عمرها أكثر من ألف سنة. وهي الخريطة الطائفية التي لا يمكن الخروج من متاهتها. فما من حل للخروج منها سوى الحرب الأهلية وهي عبارة عن حروب لا تنتهي. ذلك لأن السؤال الذي تطرحه لا إجابة عليه.

 

ألف سنة من حربنا لا تساوي سنة من حربهم. تلك معادلة ليست عادلة.

 

 

 

فاروق يوسف – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى