اتجاهاتصحف عالميةمقالات

إفريقيا وفرنسا.. فصل جديد

 

 

يبدو أن شمس فرنسا بدأت بالأفول من إفريقيا، بعد عقود من الاستعمار للعديد من دولها، ففي وقت ما، كانت باريس تطمح إلى ضم دول من القارة السمراء إلى أراضيها، وعملت لأجل ذلك على تغريب الثقافات المحلية وفرض ثقافتها على الشعوب، حيث سقط ملايين القتلى في سبيل تحقيق ذلك.

 

لكن اليوم بات الوضع مغايراً مع استفحال الرفض الرسمي والشعبي لها في عدة دول إفريقية، والنظر إليها بأنها “جسم غريب ينهب ثرواتها”. ويستخدم قوته العسكرية “تحت ذريعة مكافحة الإرهاب” لفرض إرادته السياسية تحت ظلال البنادق.

 

 

بدأ الأمر في مالي، قبل أن تنتقل عدواه إلى بلدان أخرى من مستعمرات فرنسا السابقة، التي انسحبت من تحت عباءتها واحدة تلو الأخرى كقطع الدومينو، فباريس بعد أن فقدت نفوذها في باماكو وسحبت قواتها منها ومن إفريقيا الوسطى. أمهلت بوركينا فاسو فرنسا شهراً للخروج منها. تزامناً مع تظاهرات دعت إلى طرد السفير الفرنسي، لتترجم مطالبها لاحقاً بالفعل في إعلان السفير شخصاً غير مرغوب فيه.

 

 

كما أن القبول الفرنسي لدى دول في شمال إفريقيا ليست بأفضل أحوالها، فعلى الرغم من التودد الفرنسي للجزائر، ومحاولة ماكرون إنهاء الملفات العالقة، فإن ثمة ندية في العلاقات. فالموجود بين الدولتين مصالح محضة، وليس تحالفاً، فالجزائر استدعت في التاسع من فبراير الجاري سفيرها لدى باريس “للتشاور” بسبب ما وصفته ب “عملية الإجلاء السرية” لناشطة إلى فرنسا. مدينة بشدة انتهاك السيادة الوطنية، ما قد يعيد إحياء التوتر بينهما من جديد.

 

بينما علاقة باريس مع المغرب شهدت فتوراً. بعد قرار أوروبي وصف بأنه “معاد”، فالبرلمان المغربي عبّر “خيبة الأمل إزاء الموقف السلبي والدور غير البناء الذي لعبته. خلال المناقشات في البرلمان الأوروبي بشأن مشروع توصية معادية لبلادنا»؛ حيث فسر على أنه إشارة إلى باريس.

اقرأ أيضاً:

 

لكن التطور الأبرز، أن “عدو” أوروبا الأول، بدأ يسد فراغ فرنسا؛ إذ ثمة تقارير تشير إلى وجود قوات روسية في 10 دول إفريقية. لكن المؤكد أنها تتواجد في مالي لتدريب جيش هذا البلد في قاعدة انسحبت منها قوة “بريخان” الفرنسية. ما دفع ماكرون إلى الخروج بخطاب أعلن فيه “نموذج شراكة جديد” مع الدول الإفريقية، مضيفاً: “إنه رفض الانجرار إلى تنافس عفا عليه الزمن بين الدول للسيطرة على إفريقيا”.

 

حديث ماكرون حمل في طياته تصالحاً مع دول في القارة السمراء. واعداً بخفض عدد قوات بلاده في هذه الدول، وإنهاء نهج استضافة قواعد عسكرية منتظمة، كما وعد بتعزيز العلاقة مع الجزائر والمغرب.

ماذا تريد الجزائر الأفريقية من أفريقيا؟

فرنسا استفادت تاريخياً من إفريقيا، فكانت القارة هي شريان الرفاهية لشعبها. فالأرقام حول الثروات التي امتصتها، مهولة جداً، واليقظة الإفريقية وإن جاءت متأخرة. إلا أنها تصب في مصلحة القارة ككل، وتضع حداً للنظر إليها على أنها سلة غذاء لدول منعمة. بينما شعوبها تعيش في فقر مدقع ومجاعات لا تنتهي مات فيها الملايين.

 

بناء العلاقات على المصالح المشتركة هو الأولى. بينما استبدال استعمار خشن بآخر ناعم أصبح يثير امتعاض الشعوب.

 

علي قباجة – الخليج

المصدر
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقك بكل سهولة

زر الذهاب إلى الأعلى