اتجاهاتصحف عالميةمقالات

هل تخشى إسرائيل انهيار السلطة الفلسطينية أم تسعى له؟

ما بين وقف التنسيق الأمني والتوجه إلى الجنائية الدولية تجد السلطة الفلسطينية نفسها مضطرة إلى العودة لاستعمال أدوات ضغط استعملتها سابقاً ولكنها لم تف بالغرض.

 

ويستمر الاحتلال بتنفيذ سياساته التي لم تتغير بتغير الأسماء في المناصب والحكومات التي يجمعها قاسم مشترك واحد، وهو عدم الاكتراث باللوائح الأممية ومواجهة المقاومة بجميع الأساليب المتاحة اقتصادية كانت أم أمنية.

 

كان عام 2022 واحداً من أكثر السنوات دموية في فلسطين، وميلاداً لحكومة إسرائيلية جديدة شبيهة بحكومة أرييل شارون، تقدم الخيارات الأمنية على الخيارات الأخرى، وتحمل على أكتافها حل الدولتين إلى مثواه الأخير، وإن كانت الحكومات السابقة تسير في نفس الاتجاه إلا أن حكومة نتنياهو تحضر لأبعد من ذلك.

 

فهي تعمل بشكل واضح على انهيار مفهوم الدولة وتعويضه بمفهوم “الكانتونة”، وبهذا لن تحتاج إسرائيل إلى تنسيق أمني مع الجانب الفلسطيني، بل سيصبح ذلك مسألة داخلية بدل أن تكون مسألة تحتاج إلى السلطة كشريك.

 

 

المسيّرات الإيرانية… من أوكرانيا إلى المغرب

 

إن ما جاءت به صحيفة لوفيغارو الفرنسية عن نوايا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو إيجاد خليفة لمحمود عباس بعيداً عن الأنماط الكلاسيكية وخارج المجال السياسي والمؤسسي، وفقا لما ذكره مصدر دبلوماسي فرنسي يصب في هذا الاتجاه تحديداً، بعد أن أضحت فكرة الاعتماد على فتح والإبقاء عليها لا تأتي بالنتائج المرجوة على الصعيد الأمني.

 

وبعد أن أصبحت فتح أكثر إصراراً على التوجه إلى الجنائية الدولية، وهو الأمر الذي قد يضع السياسة الأمنية الإسرائيلية تحت المساءلة الدولية بوصفها سياسة إجرامية، ويعطي لأعمال المقاومة نوعاً من الشرعية تحت بند الدفاع الشرعي في حال إدانة إسرائيل، وهو ما يمثل أحد الخطوط الحمراء لدى الاحتلال والذي لا يجب أن يحصل بأي ثمن.

 

لقد فقد محمود عباس كل الآمال المعلقة على حل الدولتين، وأصبح أكثر وضوحاً في خطاباته التي تنتقد وتجرم إسرائيل، فخلال زيارته إلى ألمانيا العام الماضي وصف الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بالهولوكوست، وهو الوصف الذي أثار حفيظة إسرائيل والمستشار الألماني أولاف شولتس.

‏اقرأ أيضاً:

كما أعلن بوضوح من خلال منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أن إسرائيل لم تعد شريكاً موثوقاً في عملية السلام. وانتقد صمت الأمم المتحدة وانحيازها لإسرائيل. وذهب أبعد من ذلك عندما التقى مؤخراً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة أستانة. وقال إنه لم تعد لديه ثقة في واشنطن كوسيط للسلام في الشرق الأوسط.

 

كما لم تنجح زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى رام الله في إجبار الرئيس الفلسطيني على التراجع عن قرار وقف التنسيق مع دولة الاحتلال. لكن قمة العقبة الأخيرة كانت استدراجاً إسرائيلياً لعودة التنسيق. بعد أن سعت خلال الأسابيع الماضية إلى التصعيد في محاولة لجر السلطة الفلسطينية إلى طاولة الحوار.

 

وهو ما ترتب عليه هجوم عنيف من قبل بعض القوى السياسية ومن الحاضنة الشعبية للمقاومة وفتح. وهو ما يعني أنها أسقطت السلطة الفلسطينية في الفخ. وجعلت منها سلطة غير مرغوب فيها بعد أن تمكنت خلال الأشهر القليلة الماضية من استعادة ثقة الشعب الفلسطيني بها.

اقرأ أيضاً:

 

تنكر بنيامين نتنياهو ومعه سموتريتش وبن غفير لمخرجات بيان قمة العقبة بعد يوم واحد على انعقادها. ونجح في الإيقاع بين السلطة والقوى الفلسطينية التي عبرت عن عدم وجود إجماع شعبي يسمح للسلطة بالمشاركة في قمة العقبة. وهي الغاية التي تهدف إسرائيل إليها من خلال تنكرها لمخرجات البيان. أي “زيادة إضعاف السلطة على المستوى الشعبي وخلق توترات داخل البيت الفلسطيني”.

 

ومن الأكيد أن المصالحة بين حماس وفتح قد عادت إلى المربع الأول، خاصة بعد موجة الهجوم المتبادل الذي تلا قمة العقبة. ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل نجحت في تفريق الأصوات حتى داخل السلطة من خلال خلق معارضة داخل بيت فتح. بين رافض لعودة التنسيق الذي لن ينجر عنه سوى اتفاقيات أحادية الجانب لا يمكنها أن تنجح في ردع الاحتلال. وبين من يرى فيه ضرورة لتجنب إراقة دماء الشعب الفلسطيني. وكف سياسات الاستيطان التي تؤجج الصراع وتقضي على ما تبقى من دعم عربي لمبادرة سلام، وبالتالي خسارة المزيد من الحلفاء العرب.

 

 

 

لا شك أن السياسة الاستيطانية لإسرائيل ستستمر، ولا شك أن اتفاق العقبة سينهار في وقت قصير. وهنا ينبغي أن تتفطن السلطة الفلسطينية إلى أن هذا الانهيار سيكون على حساب حاضنتها الشعبية وليس على حساب إسرائيل. وأن هذه الأخيرة لم تعد تخشى انهياره وما يترتب عليه من خطورة أمنية، بل إنها تعمل ساعية له وذلك لإنهاء القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.

 

فاضل المناصفة – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى