اتجاهاتمقالات

ورشة صينية ومفرخة مصرية

ثمة فارق كبير بين نمو السكان والتنمية. في عالمنا العربي ساد نمو السكان وتراجعت التنمية.

 

 

لا نعرف بالضبط كيف سيستقبل العالم خبر تناقص عدد سكان الصين، نظريّاً يمكن أن يكون خبر حدوث تناقص في عدد السكان، في أي مكان يعاني من انفجار سكاني، مبعث ابتهاج.

 

الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، هناك أكثر من 1.4 مليار صيني، حتى لو حاولت تخيل هذا الرقم أمامك كحشود بشرية فسيكون الأمر مرعباً.

 

لكن النمو السكاني في الصين كان مرتبطاً بالنمو الاقتصادي. الصين ورشة العالم، النمو الديموغرافي على مدى السنوات الستّين الأخيرة كان مرتبطاً بتحول الصين إلى قوة اقتصادية عالمية جبارة.

 

لم يسمع العالم بالجوع في الصين منذ الستينات، حتى ذلك الجوع كان مفتعلاً بسبب سياسات حمقاء انتهجها الزعيم ماو تسي تونغ.

 

اجتماع مصري أردني فلسطيني للتأكيد على حل الدولتين

 

الصين نفسها كانت متخوفة من أن يدمرها الانفجار السكاني، ولهذا أقرت عام 1980 سياسة الطفل الواحد للأسرة. استمرت السياسة إلى عام 2016.

 

لكن الصينيين عام 2016 هم غير الصينيين عام 1980. الزوجان اليوم يسألان نفسيهما قبل أن ينجبا: إلى أي عالم يأتي طفلنا، لا نريد أن ننجب بدافع غريزة البقاء، هل نستطيع أن نوفر لطفلنا الحد الأدنى كي يعيش هنيئاً؟

 

لخص الصينيون مشاكلهم قبل الإنجاب بتشخيص معطيات عالم الطفل المستقبلي: أين سيسكن، بأي درجة من الرفاهية (أو الضنك) سيعيش، أي تعليم (وبأي مستوى) سيتلقى، أي خدمات صحية ستوفَّر له (بما فيها خدمات أرذل العمر والتقاعد)؟

 

أسئلة شرعية جداً، هذه أسئلة واعية، ومن يطرحها مجتمع يصنع لبقية العالم كل شيء، “من الإبرة إلى الصاروخ” وفق ما يصف به الحالمون في عالمنا العربي النهضة التي يريدونها للأمة العربية.

اقرأ أيضاً:

 

 

من الإبرة إلى الصاروخ إلى الآيفون إلى الملابس إلى السيارات إلى البضائع الحقيقية أو المقلدة، إلى البناء، إلى المال بشروط ميسرة، إلى شراء السندات الأمريكية لدعم الدولار.

 

لكن كل هذا لا يكفي لتهدئة رَوْع الصيني وتوجّسه من غموض مستقبل ابنه أو ابنته، هذا ما يفعله الوعي بالناس. يجعلهم يتحسبون، ولا يرمون أثقالهم على وهم المستقبل أو القدر.

 

مشكلة المستقبل أنه يُصنع اليوم، لو أن بلداً مثل مصر سأل نفسه قبل 10 أعوام، لا أكثر. مثل هذه الأسئلة، لربما كان عدد الأفواه التي تنتظر إطعامها أقلّ بخمسة ملايين من العدد الحالي.

 

لا نأتي بجديد عندما نقول إن مصر تعاني الآن من مشكلة توفير الغذاء لعدد متضخم من السكان.

 

زاد المصريون أكثر من 10 ملايين خلال 10 أعوام، زيادة بلا أي هدف تنموي. الدولة تواجه الإسلام السياسي بحزم بينما تترك الإسلام الاجتماعي يوجه الغرائز.

 

استمع إلى السلفيين وما يقولونه عن الإنجاب وستصاب بالذهول، هؤلاء لا ينتمون إلى أي عالم واقعي.

 

قادة الخليج ومصر والأردن يجتمعون في أبوظبي

 

 

البعض ينظر إلى المجتمع على أساس أنه ماكنة تفريخ للنسل، لعله بالفعل أصبح ماكنة تفريخ ونستعير من عالم الإعلانات مقاطع مثل: “برعاية القمح الأوكراني”. أو “برعاية الدقيق الأسترالي الرخيص سابقا”، أو “برعاية تحويلات المصريين الذين يكسرون ظهورهم كدحا في الغربة”. أو “برعاية معونات من دول الخليج ما عادت تأتي” أو “برعاية قروض صندوق النقد الدولي المشروطة”.

 

ثمة فارق كبير بين نمو السكان والتنمية، في عالمنا العربي ساد نمو السكان وتراجعت التنمية.

 

الصين الدولة قلقة اليوم من الانكماش السكاني، الصين الأفراد تريد أن تؤمّن مستقبل أولادها قبل أن تفكر في إنجابهم.

 

لا نعرف بالضبط كيف تفكر مصر الدولة أو كيف تفكر مصر إنجابهم، كل ما نعرفه أن الصين ورشة عاملين قلقة ومصر مفرخة بشر تغلي.

 

 

د. هيثم الزبيدي – العرب

المصدر
العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى