اتجاهاتصحف عالميةمقالات

ما سرّ هذا الانفتاح العربي على بشار الأسد ونظامه؟

 

 

في السياسة، كما كتب ألكسندر دوماً في رائعته “لو كونت دو مونت كريستو”: ” لا يوجد رجال بل أفكار، ولا مشاعر بل مصالح، والرجال لا يُقتلون بل تتم إزالة العوائق”. وعليه، ما هي الأفكار والمصالح التي تدفع إلى استعادة الرئيس السوري بشار الأسد إلى “الإجماع” العربي، على الرغم من أنّه لا يزال في نظر كثير من الدول الغربيّة “غير صالح للعِشرة”؟

 

حتى تاريخه، لم يصدر مبرّر واحد عن الدول التي فتحت، بعد زلزال السادس من شباط (فبراير) الجاري، ذراعيها للأسد ولا عن تلك التي بادرت إلى ذلك قبل هذه الكارثة الطبيعيّة.

 

كانت مقاطعة هذه الدول للنظام السوري مبرّرة بنوعيّة الجرائم التي يرتكبها ضدّ شعبه، وأوصلته إلى حدّ استعمال الأسلحة الكيمائية ضدّه، ولكنّ الانفتاح لم يحمل أيّ تبريرات معلنة.

 

وقد تُرك أمر “حل الأُحجيّة” لعلم المحلّلين السياسيّين الذين يفترضون الأسباب الآتية:

 

أوّلًا: تعتبر بعض الأنظمة العربيّة أنّ بشار الأسد “شريكها” في محاربة الإسلام السياسي، ومن ثم لا بد من دعمه في مواجهتها، تمامًا كما عادت ودعمت الدول الأوروبية، بعد الحرب العالميّة الثانية، الديكتاتور الإسباني فرانشيسكو فرانكو، ليقف معها ضدّ المدّ الشيوعي.

 

ثانيًا، لقد فشلت الثورة في سوريا  بالمحافظة على زخمها، وسلّمت نفسها سواء إلى التنظيمات الإسلاميّة على اختلافها، أو إلى الدول الإقليميّة التي ذهب بعضها إلى حد تجنيد مقاتليها في مرتزقة تنقلت من دولة إلى أخرى.

 

اقرأ أيضاً:

 

ثالثًا، إنّ الدول العربيّة التي طبّعت مع إسرائيل، كانت بحاجة إلى “غطاء ممانع”، ووجدت في ضعف بشار الأسد ضالتها، بحيث كانت تواكب تواصلها مع الأسد بخطواتها الانفتاحيّة على إسرائيل، وليس غريبًا أن يتزامن قرار سلطنة عمان فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي مع استضافتها للرئيس السوري بشّار الأسد.

 

رابعًا، في وقت تتخذ فيه معظم الدول العربيّة مواقف لمصلحة أوكرانيا، ولا سيّما في الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة فإنّها، من أجل المحافظة على “حرارة” علاقتها مع روسيا المعنيّة جدًّا بتعويم النظام السوري، تتّخذ خطوات إيجابية تجاه بشار الأسد.

 

خامسًا، تشكو الدول العربيّة والخليجيّة من الدور الإيراني الناشط في سوريا. هذه الشكوى لا تنطلق من معطى جيوسياسي، بل من تفلّت العصابات الإيرانيّة في تهريب المخدّرات. الأمر الذي أدّى إلى اندلاع “حرب” بين الجيش الأردني وعصابات تهريب المخدرات على الحدود المشتركة بين البلدين.

 

الأردن: نطالب بوقف التصعيد في الأراضي الفلسطينية وتطبيق اتفاق العقبة

 

ويعد الأردن أنّ إفساح المجال أمام عودة النظام السوري، بقوة إلى مناطق جنوب سوريا. من شأنه أن يلغي أسباب هذه الحرب المكلفة للغاية.

 

وقد سبق للأردن أن بذل جهوده الكبيرة لدى موسكو من أجل إيجاد حلّ لهذه المشكلة. فما كان من موسكو إلّا أن أوصت بالانفتاح على الأسد ليساعد في هذا الملف كما في ملف اللاجئين السوريّين.

 

سادسًا، لقد توجّست أكثر من دولة عربيّة من قرار الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان تطبيع علاقاته مع النظام الأسدي، بوساطة تركيّة، وما استتبع ذلك من دخول إيراني على الخط.

 

سابعًا، إنّ إسرائيل التي تتمتّع بحريّة العمل العسكري في سوريا ضدّ أهداف إيرانيّة. لا يزعجها بقاء النظام السوري. وقد اشتدّ عود هذا التوجّه مع عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة.

 

اقرأ أيضاً:

 

ووفق ما تظهره المعطيات، فإنّه، خلافًا للسائد، لا تربط الدول العربيّة فكرة “احتضان” بشار الأسد بشرط ابتعاده من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. إذ تدرك استحالة ذلك، ولكنّها لا تمانع في أن تسحب نموذج علاقتها بالعراق على سوريا. بحيث يعمل النظام على الفصل بين الدور الإيراني الداعم له، من جهة، والدور الإيراني المؤذي للدول العربية، من جهة أخرى.

 

وفي هذا السياق، ثمّة من يعتقد أنّه كلّما تقدّم الحوار الذي تقيمه بعض الدول العربيّة. بعيدًا من الأضواء مع الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، تقدّمت الخطوات الرامية إلى “احتضان” النظام السوري.

 

وترى أكثر من دولة عربيّة أنّه في زمن الاستقطاب الدولي الحاد الذي أعادته تداعيات الحرب الروسيّة على أوكرانيا. لا بدّ من ترتيب البيت العربي، حتى تكون لدوله كلمة وازنة في هذه المرحلة. لأنّ التفتت الحالي الذي يضعفها قد ينحرف بها، في لحظة مباغتة، في هذا الاتجاه أو ذاك، ما يكبّدها خسائر لا تريدها.

 

وترى هذه الدول العربيّة أنّ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي اللذين يتحفظان على الانفتاح على النظام السوري. لديهما الآن ما هو أهم من حشد جهودهما للتصدي لخطوات هادئة ولكن ثابتة تجاه الأسد.

 

وثمّة من يذهب إلى حدّ الاعتقاد أنّه إذا تحلحلت على الخط السوري-العربي. يمكن أن تصبح الحلحلة ممكنة في النقاط الحامية، بدءًا من اليمن وصولًا إلى لبنان.

 

ولكن ماذا عن رعاية مشاعر الشعوب؟

 

الإجابة عن ذلك معقدة، في زمن يحمل فيه القادة العرب “الواقعيّة السياسيّة” شعارًا لهم!

 

 

 

فارس خشان – النهار العربي

المصدر
النهار العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى